قال تعالى :{بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ (1)الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)
الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ (3)مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6)صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ
المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)}
نظرة إلى سورة الفاتحة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
للإنسان قوتان: قوة علمية نظرية، وقوة عملية إرادية
وسعادته التامة موقوفة على استكمال قوتيه: العلمية والإرادية
واستكمال القوة العلمية إنما يكون بمعرفة فاطره، وبارئه،
ومعرفة أسمائه وصفاته، ومعرفة الطريق الذي توصل إليه،
ومعرفة آفاتها ومعرفة نفسه
ومعرفة عيوبها، فبهذه المعارف الخمسة يحصل كمال قوته العلمية
وأعلم الناس أعرفهم بها وأفقههم فيها.
واستكمال القوة العلمية الإرادية لا تحصل إلا بمراعاة حقوقه سبحانه
على العبد والقيام بها إخلاصاً وصدقاً ونصحاً وإحساناً ومتابعة
وشهوداً لمنته عليه، وتقصيره هو في أداء حقه
فهو مستحي من مواجهته بتلك الخدمة لعلمه أنها دون ما يستحقه عليه
ودون ذلك، وأنه لا سبيل له إلى استكمال هاتين القوتين إلا بمعونته
فهو يهديه الصراط إما المستقيم الذي هدي إليه أولياؤه وخاصته
وأن يجنبه الخروج عن ذلك الصراط إما بفساد في قوته العلمية
فيقع في الضلال، وإما قوته العملية فيوجب له الغضب.
فكمال الإنسان وسعادته لا تتم إلا بمجموع هذه الأمور، وقد تضمنتها
سورة الفاتحة و انتظمتها أكمل انتظام
فإن قوله: « الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين »
يتضمن الأصل الأول وهو معرفة الرب تعالى، ومعرفة أسمائه
وصفاته وأفعاله والأسماء المذكورة في هذه السورة هي أصول
الأسماء الحسنى،
وهي: اسم الله والرب والرحمن.
فاسم الله متضمن الصفات الألوهية
واسم الرب متضمن لصفات الربوبية
واسم الرحمن متضمن لصفات الإحسان والجود والبر
ومعاني أسمائه تدور على هذا.
وقوله: «إياك نعبد وإياك نستعين »
يتضمن معرفة الطريق الموصلة إليه وأنها ليست إلا عبادته وحده
بما يحبه ويرضاه، واستعانته على عبادته.
وقوله: « اهدنا الصراط المستقيم »
يتضمن بيان أن العبد لا سبيل له إلى سعادته إلا باستقامته
على الصراط المستقيم، وأنه لا سبيل له إلى الاستقامة
على الصراط إلا بهدايته.
وقوله: « غير المغضوب عليهم ولا الضالين »
يتضمن بيان طرفي الانحراف عن الصراط المستقيم، وأن الانحراف
إلى أحد الطرفين انحراف إلى الضلال الذي هو فساد العلم والاعتقاد
والانحراف إلى الطريق الآخر انحراف إلى الغضب الذي سببه
فساد القصد والعمل.
فأول السورة رحمة وأوسطها هداية وآخرها نعمة.
وحظ العبد من النعمة على قدر حظه من الهداية، وحظه منها على قدر
حظه من الرحمة. فعاد الأمر كله إلى نعمته ورحمته.
والنعمة والرحمة من لوازم ربوبيته، فلا يكون إلا رحيماً منعماً وذلك
من موجبات إلهيته فهو الإله الحق وإن جحده الجاحدون وعدل به المشركون.
فمن تحقق بمعاني الفاتحة علماً ومعرفة وعملاً وحالاً فقد فاز من
كماله بأوفر نصيب، وصارت عبوديته عبودية الخاصة الذين
ارتفعت درجتهم عن عوام المتعبدين.