سورة الكهف ( 18 ) - الدرس [4/8] – الآية : 21 – 31 – كل عمل له ثمن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ...
أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس الرابع من سورة الكهف ، قال تعالى :
كلمة ( أعثرنا ) أساسها عثرنا ، وهذا الفعل له استعمال دقيق :
تقول : عثرت عليه ، وعثرت به ، عثرت عليه بعد بحث طويل ، وعثرت به مصادفة ، أما أعثر هذا فنقل هذا الفعل من صيغة اللازم إلى صيغة المتعدي ، يعني إذا بحثت عن الشيء ، ثم وصلت إليه فقد عثرت عليه ، وإذا وجدته مصادفة فقد عثرت به ، فإذا دللت عليه إلى جهة أخرى فقد أعثرت عليه ، ربنا سبحانه وتعالى يقول :
إن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الظروف كي يعرف الناس أن في هذه المغارة أناساً مضى على نومهم فيها ثلاثمئة عام ، هذا الموضوع يقودنا إلى موضوع آخر ، وهو أن الإنسان بحسب العادة لا يألف أن يبقى الإنسان كما هو مدة طويلة ، لكن هذا بحسب العادة ، قد تقول : إنه يبقى الإنسان ثلاثمائة ألف عام دون أن يصيب جسده تلف ، أو فناء ، هذا ممتنع عادةً ، ولكنه ليس ممتنعاً عقلاً ، لأن الله على كل شيء قدير .
ولذلك قال علماء التوحيد : علاقة السبب بالمسبب علاقة شكلية ، بمعنى أن الحكم العادي هو شيئان تلازم وجودهما ، وعدمهما ، وليس أحدهما علةً كافية لخلق الآخر .
فمن دون طعام ولا شراب يقي اللهُ الإنسان من التلف ، والفناء ، فالله عز وجل على كل شيء قدير ، ودائماً وأبداً هذه عقيدة أهل السنة والجماعة ، أن الأمور تقع عندها لا بها ، ما معنى عندها لا بها ، الأمر يقع عند وجود الإرادة الإلهية ، لا بالسبب ، والسبب وحده غير كافٍ لحصول النتيجة ، لكن هناك ترافق شكليٌ بين السبب والنتيجة .
من لوازم الشبع تناول الطعام ، تناول الطعام سبب لحدوث الشبع ، وهي علاقة سبب بنتيجة ، لكن الحقيقة في علم التوحيد أن الله عز وجل قادر على أن يخلق حالة الشبع من دون طعام ، والنار تحرق ، هكذا العادة ، ولكن الله عز وجل قادر على إيجاد نار ملتهبة لا تحرق .
قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ .
( سورة الأنبياء : 69 )
الصورة الأولى : الإعجاز العددي :
لذلك : المعجزة الأولى ، الإعجاز في قوله تعالى :
هذا إعجاز رياضي .
الصورة الثانية : التقليب ذات اليمين وذات الشمال :
الشيء الثاني :
الصورة الثالثة : حفظ الأجسام ثلاثمئة وتسع سنين :
والإعجاز الثالث : هو أن الله عز وجل حفظ هذه الأجسام كما هي عليه ساعة نومها مدة ثلاثمئة عام .
ولذلك لما يسمع الإنسان أن فلانًا بقي في قبره سنوات طويلة دون أن يفنى ، قد يكون صالحاً ، وقد يكون ولياً لله عز وجل ، فليس شرطاً أن تفنى الأجساد بعد الموت ، هكذا العادة ، ولكن هناك استثناءات ، لأن حصول السبب غير كاف لحدوث النتيجة ، لابد من إرادة الله عز وجل ، إذا أراد الله كانت النتيجة بلا سبب .
فهذه القصة دليل على أن في الحياة أشياء ممكنة عقلاً ، وهناك أشياء مستحيلة الوقوع ، وهناك واجب الوجود وهو الله سبحانه وتعالى :
إذا وعد الله عز وجل عباده بالبعث بعد الموت فهذا دليل على أن الله على كل شيء قدير .
كأن هناك فريقين ، فريق ليس مؤمناً بهم ، وفريق على ملتهم .
أغلقوا باب الكهف ، وانتهى الأمر .
هؤلاء الذين على دينهم ، وقد مكنوا في الأرض .
وبالمناسبة ربنا سبحانه وتعالى يقول :
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا .
( سورة النور : 55 )
التمكين في الأرض ، وعد إلهي محقق الوقوع ، في آية ثانية :[وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ] .
( سورة آل عمران : 139 )
هذا كلام رب العالمين ، أنتم الأعلون ، الأعلون في عقيدتكم ، عقيدتكم هي الصحيحة ، أنتم على الحق ، أنتم الأعلون ، بالنسبة لكل من فكر في موضوع ما ، أنتم الذين اعتقدتم الحقيقة الصحيحة التي تؤكدها الوقائع اليومية ، أنتم الأعلون ، أعلون في عقيدتكم ، أعلون في أخلاقكم ، أعلون في مكانتكم ، أعلون في سمعتكم .
هذا الفريق الذي قال :
كأنهم ليسوا على ملتهم .
النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن تجعل القبور مساجد ، لماذا ؟ لئلا يصلى إليها ، ولئلا يتخذ القبر قبلة للمصلين ، ولئلا يعبد صاحب هذا القبر من دون الله ، ولئلا تنشأ وثنية هي في الأصل قبر لرجل صالح ، النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن أن تتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد ، وفرق بين أن تصلي لله عز وجل ، وأن تصلي للقبر ، فلا يمنع إذا دخلت مسجداً فيه قبر لصالح ، وليس القبر في جهة القبلة ، وأنت لا تصلي له ، إنما تصلي لله عز وجل ، فالأمر دقيق ، هناك أناس يؤكدون أن الدخول لمسجد فيه قبر لا يجوز ، لكن الذي لا يجوز أن تصلي لصاحب هذا القبر ، هذا الذي لا يجوز ، أن تتجه إليه ، وأن تعظمه من دون الله ، أما إذا كنت متجهاً لله عز وجل ، وإذا كنت تصلي لله عز وجل ، فهذا لا يمنع .
لذلك :
والحقيقة كلمة ( مسجد ) لها استعمال دقيق في القرآن ، المسجد المكان الذي يذكر فيه اسم الله عز وجل ، بدليل قوله تعالى :
وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا .
( سورة الجن : 18 )
من هذه الآية يفهم أنه لا يجوز أن تدعو إلا إلى الله عز وجل ، هذا المنبر منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا المكان مكان مقدس ، لا ينبغي أن تطرح فيه قضية تمس زيداً ، أو عبيداً ، أو جهةً ، أو ملةً ، أو نحلةً .
وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا .
( سورة الجن : 18 )
لا ينبغي أن يذكر في المسجد إلا اسم الله عز وجل ، والدليل هذه الآية ، فكلمة مسجد تعني المكان الذي يذكر فيه اسم الله ، يعني هذا اسم نوع ؛ أي مكان على مر الدهور والعصور ، يذكر فيه اسم الله هو عند الله مسجد ، وهناك ما يؤكد فيه اسم الله .
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .
( سورة الإسراء : 1 )
إذاً : لم يكن مسجداً .
إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ، هي لما سيكون ، فالمسجد مكان العبادة ، مكان الذكر .
الآن ننتقل إلى موضوع دقيق :
هذه النقطة في القصة تشير إلى أن الإنسان لا ينبغي أن يقف عند الجزئيات التي لا علاقة لها بمغزى القصة ، دائماً يجب أن تعرف ماذا يريد المتكلم ، يريد أن يؤكد هذا المعنى ، ابقَ في هذا المعنى ، فإذا انحرفت أنت بجزئيات ، وتفصيلات لا علاقة لها بهذا المعنى ، فهذا نوع من سوء الفهم ، ونوع من الغفلة عن المغزى الذي هو أساس القصة ، فأن يكونوا ثلاثة ، أو أربعة ، أو خمسة ، أو ستة ، أو سبعة ما المغزى من ذلك ؟ هذه الأرقام لا تقدم ولا تؤخر ، ولا تعمق فهمنا للقصة ، المراد منها أن هؤلاء الفتية آمنوا بربهم ، وزادهم الله هدى ، والمراد من هذه القصة ، كن كأصحاب الكهف ، إذا رأوا فساداً عريضاً ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، وانغماسا في الملذات ، ونفاقاً ، وزيفاً ، واستخفافاً بالقيم الخلقية ، إذا رأيت مجتمعاً فاسداً فاعتزله ، وانج بدينك .
المغزى من هذه القصة : أن تؤمن بعلم الله تعالى .
المغزى من هذه القصة : أن تؤمن بقدرة الله تعالى .
المغزى من هذه القصة : أن تؤمن بكرامات الأولياء .
المغزى من هذه القصة : أن يكون هؤلاء أصحاب الكهف في محنتهم ، وفي الحياة الفاسدة التي عاشوا فيها ، وفي لجوئهم إلى الكهف قدوةً لك .
هناك أشياء كبيرة جداً ، هي الأهداف الكبرى التي أرادها الله سبحانه وتعالى من هذه القصة ، فكيف ينحرف فهم الناس لهذه القصة إلى وقوع في خلافٍ وأخذٍ ، وردٍ ، وتشددٍ ، واستخفافٍ ، ومماحكةٍ ونقاشٍ ، وجدالٍ ، في موضوع عددهم ؟ هذا الذي لا يريده الله عز وجل ؛ أن تبقى في الجزئيات ، أن تبقى في القشور ، أو في السفاسف ، أو في أشياء لا تقدم ولا تؤخر ، أن تمضي كل وقتك في قشور الدين لا في لبه ، هذا الذي لا يعرف جوهر الدين ينشغل بما حول الدين ، يعني طوال حياته يناقش الناس ، ويحاججهم تارةً ، ويسألهم ويستفتيهم ، ويرد عليهم ، في أمور خارجية لا تمس جوهر الدين ، وربنا عز وجل في آيات كثيرة أشار إلى جوهر الدين قال تعالى :
بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ .
( سورة الزمر : 66 )
وقال :
وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا .
( سورة مريم : 31 )
وقال :
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ .
( سورة الكهف : 110 )
هذا جوهر الدين ، دائماً في المركبة محرك ، وفيها أشياء تزينية ، إذا نسيت المحرك ، وصيانته ، احترق ، وأنت في غفلة عنه ، وترعى ، وتعتني بهذه الأشياء التزيينية ، فأنت لا تعرف حقيقة هذه المركبة ، في الدين أشياء جوهرية ، وأشياء ثانوية ، فإذا أبعد الله عبداً عن الهدى تعلق بالسفاسف ، وفي الأثر :
(( إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها )) .
[ الجامع الصغير عن سهل بن سعد بسند صحيح]
عددهم لا يقدم ولا يؤخر ، الله يعلم عدتهم ، كان من الممكن أن يقول الله عز وجل : هم ثمانية ، وانتهى الأمر ، هم سبعة ، هذا تعليم لنا ، درس لنا ، يجب أن تضع يدك على جوهر الأشياء ، وعلى جوهر الدين ، فإن كنت تاجراً فيجب أن تضع يدك على جوهر التجارة ، هي الربح ، وإن كنت صانعاً ، فالإتقان ، وإن كنت في موضوع الدين فالاستقامة على أمر الله .
1 - الدين النصيحة :
في الحديث تعريف جامع مانع للدين ، فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : لِلَّهِ ، وَلِكِتَابِهِ ، وَلِرَسُولِهِ ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَعَامَّتِهِمْ )) .
[مسلم]
تعريف جامع مانع ، الدين كله نصيحة ، فإذا تخليت عن النصيحة لست ديِّناً ، وانتهى الأمر ، ولو صليت ، وصمت ، وزعمت أنك مسلم ، لمجرد أن تخون إنساناً في نصيحة استنصحك بشيء ، فأشرت عليه بما لا تفعله لنفسك ، أشرت عليه بخلاف النفع ، وخلاف الحقيقة ، وخلاف الفائدة ، وخلاف الجودة ، إذا أشرت عليه بشيء لا ترضاه لنفسك فلست ديِّناً ، الدين النصيحة ، رأس الدين الورع ، الورع أساس الدين ، من لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله ، ورأس الحكمة مخافة الله .
هذه التعريفات الجامعة والمانعة هي أساس الدين ، الدين المعاملة ، هذا قول ، من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته ، وظهرت عدالته ، ووجبت أخوته ، وحرمت غيبته .
2 - الدين المعاملة :
قال له : هل حككته بالدرهم والدينار ؟ قال : لا : قال : هل جاورته ؟ قال لا ، قال : هل سافرت معه ؟ قال لا : قال : أنت لا تعرفه .
فإذا قرأت القرآن فابحث عن هذه التعريفات الجامعة المانعة ، فمن أجل أن نفهم هذه الآية ، لا يعنينا أن يكونوا ثلاثة ، أو أربعة ، أو خمسة ، أو ستة ، أو سبعة ، أو ثمانية ، هذا الرقم لا يقدم ولا يؤخر .
مرة ضربت مثلاً كنت حريصاً على توضيحه ، إن مدرساً أراد أن يعطي طلابه في الثانوية التجارية درساً في أصول التجارة ، فروى لهم قصة عن رجل اشترى محلاً تجارياً ، في مكان عليه ازدحام شديد ، واختار بضاعةً أساسيةً في حياة الناس ، واختارها من أجود الأنواع ، وجعل سعرها معتدلاً ، وباع نقداً ، وكان لطيفاً ، فربح أرباحاً طائلة ، واشترى بيتاً ، وعاش حياةً كريمةً ، في بحبوحة ويسر ، فأنا أريد أن أنبه هذا الطالب إلى أن أهم ما في التجارة الموقع ، ونوع البضاعة ، و.... البضاعة ، والسعر المناسب ، والمعاملة الطيبة ، والبيع النقدي هي عناصر ربح في التجارة ، فقال أحد الطلاب لهذا الأستاذ : هذا الذي تحدثنا عنه أهو أبيض ، أم أسمر اللون ؟ يا أخي لا علاقة في كونه أبيض ، أو أسمر ، طويلا ، أو قصيرًا ، هذه الجزئيات ليست لها علاقة في القصة ، القصة هادفة ، هدفها أن نعلمك أصول التجارة ، وأن نعلمك أن التجارة قد تربح من خلالها إذا طبقت هذه الشروط ، تقول لي : ما لون هذا التاجر ؟ أين يسكن ؟ ما نوع الثياب التي يرتديها ؟ ما لون الطلاء في دكانه ؟ هذه أشياء جزئيات ليس علاقة بالقصة إطلاقاً .
هذا الذي أريد أن أوضحه لكم لما ذكر ربنا عز وجل ذكر أقوال الناس ، واختلافهم في عدد هؤلاء الذين سموا أهل الكهف ، هو أراد أن يبين هذه الأشياء لا قيمة لها ، لذلك بعد هذا النقاش الطويل لم يذكر ربنا عز وجل عددهم ، لأنه لا جدوى من ذكر العدد ، والعبرة أن تكون كهؤلاء الفتية .
العبرة أن تعتزل الناس الفسقة كما اعتزل هؤلاء .
العبرة أن تتكل على الله عز وجل كما اتكل هؤلاء .
العبرة أن تحب الله أكثر من كل شيء ، كما أحب الله هؤلاء الفتية .
العبرة أن يكون هؤلاء الفتية قدوة لك في حياتك .
لذلك هذا الذي أتمناه عليكم ، وعلى نفسي ، كلما تتلون قصة في كتاب الله أن نقف عند مغزاها .
سيدنا يوسف له قصة طويلة ، بل هي أطول قصة في القرآن ، ما مغزاها ؟
وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ .
( سورة يوسف : 21 )
الفعل فعله ، لا إله إلا هو ، لا معطي إلا الله ، لا مانع إلا الله ، لا معز إلا الله ، لا مذل إلا الله ، لا مغني إلا الله ، لا رافع إلا الله ، لا خافض إلا الله .
هذا هو المغزى ، أما أن نخرج عن فهمنا لهذه القصة لأشياء ؛ يا ترى سيدنا يوسف هل تزوج هذه المرأة التي راودته عن نفسها بعد أن مكنه الله في الأرض ؟ لا أعرف والله ، ولا ينبغي أن أعرف ، ولا أريد أن أعرف ، لأن الذي سكت الله عنه أنا أسكت عنه أيضاً ، لا جدوى منه .
لا تجادل فيهم ، ولا تأخذ نقاشاً حول العدد ، بل خذ نقاشاً حول المغزى .
ولذلك : استنبط العلماء من هذه الآية أنه لا ينبغي أن تتوجه إلى أهل الكتاب كي تستفتيهم ، أو أن تأخذ منهم المعلومات ، أو أن تذهب إلى أهل الكتاب ، وإلى كتبهم التي حرفوها لتأخذ منها شيئاً يفيدك في فهم كتاب الله ، لا .
وقال بعض العلماء : المنهي عنه المماراة ، معنى المماراة المجادلة ، لا تجادل فيهم .
أيْ سألت عن هذه القصة سؤالاً عابراً ، إما أن تخوض في خلافاتها الشكلية فهذا منهي عنه .
من هنا يستنبط في علم العقيدة أن الفعل لله ، لك الإرادة ، ولك الكسب ، لكن الفعل لا يقع إلا بأمر الله ، وهذا معنى قوله تعالى :
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ .
( سورة محمد : 19 )
قلت لكم في الدرس الماضي : إن أحد الأنبياء العظام سأل الله عز وجل فقال : يا رب كيف أذكرك ؟ أو كيف أشكرك ؟ قال : تذكرني ، ولا تنساني ، إن ذكرتني شكرتني ، وإذا ما نسيتني كفرتني .
والنبي معصوم عن الخطأ في الاعتقاد ، والتبليغ ، والسلوك ، والمؤمن محفوظ ، وليس معنى كونه محفوظًا أنه لا يخطئ ، ولكن المعنى أنه لا يضره خطؤه ، بمعنى أنه يذكر الله إذا نسي ، ويتوب إليه ، والله سبحانه وتعالى يعفو عنه :
الإنسان ينسى ، إذا تذكرت فاذكر ، وإذ شعرت نفسك غافلاً فاذكر الله عز وجل .
المؤمن مذنب تواب ، كثير التوبة ،
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا .
( سورة التحريم : 8 )
للهُ أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد ، والعقيم الوالد ، و الظمآن الوارد ، فإن تابوا فأنا حبيبهم ، وإذا لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، إذا تبت إلى الله عز وجل توبة نصوحاً فأنت حبيب الله إذاً :
ودائماً ينسى الإنسان ، ويستمر على هذا النسيان ، ويصر على هذا النسيان ، وهنا الخطأ ، لو جئتني بملء السماوات والأرض ذنوباً غفرتها لك ولا أبالي :
قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ .
( سورة الزمر : 53 )
نسيت ، وأعترف بخطئك ، وإذا أسأت فأحسن ، الحديث الشريف عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ ، وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ )) .
[الترمذي ، وأحمد]
والنسيان من طبيعة البشر ، اللهم إني بشر أغضب كما يغضب البشر ، وأرضى كما يرضى البشر ، وفي قول : وأنسى كما ينسى البشر ، والإنسان أحياناً يغفل عن شيء ، وبسرعة يذكره ، لكن نسيان رسول الله صلى الله عليه وسلم من نوع آخر ، نسيان تشريعي لا نسيان مقصود ، والنبي الكريم مرة صلى الظهر ركعتين ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
(( صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ فَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ : الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَقَصَتْ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ )) .
[متفق عليه]
لم تقصر ولم أنسَ ، لكن تشريعاً .
كلما بلغت مرتبة ، وظننت أن هذه المرتبة جيدة جداً ، هناك مرتبة أرقى فالمغبون من تساوى يوماه ، فمن لم يكن في زيادة فهو في نقصان ، لا بد أن تلاحظ أنك في زيادة ، تنتقل من حال إلى حال ، ومن مقام إلى مقام ، ومن استقامة إلى استقامة ، ومن إحسان إلى إحسان ، ومن قرب إلى أقرب ، لابد من الشعور بالزيادة ، فمن لم يكن في زيادة والزمن ماشٍ ، فهو في نقصان .
فالطالب الذي درس إلى الصف الثاني في الجامعة ، ولم يكمل فما زاد ، بل هو في نقصان ، لأن كل من حوله سوف يَصِلون إلى درجات عليا ، إذاً هو نقصَ عنهم ، فمن لم يكن في زيادة فهو في نقصان ، والمغبون من تساوى يوماه .
فإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له ، لا ملجأ منه إلا إليه ، وإذا اعتمدت على مالك ، فالله عز وجل قادر على أن يسوق للإنسان مصيبة لا تحلها الأموال الطائلة ، ولو اعتمدت على جاهك فهو قادر أن يسوق للإنسان مصيبة لا يحلها هذا الجاه ، أي شيء تعتمد عليه من دون الله ، فلا بد من أن الله عز وجل يكشف لك أن هذا أحد أنواع الشرك ، وأن الله عز وجل يؤدب كل إنسان اعتمد على جهة ما .
أبصر به ، هذه الباء للاستعانة ، أي أبصر مستعيناً بنوره ، ولا تستضئ بنور المشركين ، ولا تنظر إلى الدنيا بمنظار الكفرة ، أن هذه الدنيا هي كل شيء ، فالسعيد فيها من كان غنياً ، والسعيد من استغل كل أوقاته في المتع ، والملذات ، وتناول أطيب الطعام ، والانغماس في كل المباهج ، لا ! لا تنظر إلى الدنيا بمنظار الكفرة ، انظر إليها بنور الله تَرَهَا دنية ، زائلة ، انظر إلى كل شيء بمنظار الله عز وجل ، بنور الله ، إذا نظرت إلى المال الحرام بنور الله تراه ناراً ، وإذا نظرت إلى المال الحرام بمنظار المشركين تراه مغنماً .
لتكن لك رؤية صحيحة ، فسيدنا يوسف حينما دعته هذه المرأة أبصر بالله :
قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ .
( سورة يوسف : 23 )
ولو نظر إلى هذا العمل بمنظار أهل الكفر لرآه غنيمة لا تفوقه غنيمة .
أي انظر بنور الله ، فإذا كنت متصلا بالله عز وجل ، عندئذ تستطيع أن تبصر به ، وتصبح لك رؤية صحيحة ، بهذه الرؤية تتخذ بها قراراً صحيحاً ، تسعد في الدنيا والآخرة .
أيضاً استمع للحق الذي من عنده ، لا تستمع إلى أقوال الناس ، وإلى أقوال المرجفين ، وإلى أقوال المشركين ، فأحياناً يسمع الإنسان أقوال الناس فيقول : لا أمل ، انفجار سكاني بالعالم ، فالمواد الغذائية قليلة ، والعالم مقبل على كارثة كبرى ، على حروب ، إنها أفكار سوداوية ، تثبط عزيمته ، وهكذا يقول لك الكفار : لا إله ، بل مواد محدودة ، تزايد سكان كبير جداً ، فالأمر من سيئ إلى أسوأ .
وإذا نظرت إلى أية أزمة ، وإلى أية مشكلة بنظر أهل الدنيا تزداد انقباضاً ، وتشاؤماً ، وسوداوية ، لكن إذا نظرت إلى أية مشكلة بنور الله عز وجل ، تقرأ الآية الكريمة :
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً .
( سورة النحل : 97 )
انتهى الأمر ، هذا وعد إلهي .
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ .
( سورة الجاثية : 21 )
وإذا أصيب أحد بمرض ، ونظر إلى هذا المرض بمنظار الأطباء فقط غير المؤمنين ، يعطونه يأساً ، لا يوجد دواء ، فهذا المرض ليس له دواء ، أما إذا قرأت قوله تعالى :
وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ .
( سورة الشعراء : 80 )
يدخل إلى قلبك شعاع الأمل ، والله سبحانه وتعالى عند حسن ظن عبده به ، أنا عند حسن ظن عبدي بي ، فليظن بي ما يشاء ، في كل قضية ، الزواج انظر له بمنظار أهل الدنيا ، الزواج متعه ، لذلك يجب أن تختارها جميلة ، وإلا ما أفلحت في نظرهم ، وبعد أن تختار هذه الجميلة ، تريك النجوم ظهراً ، هذه الجميلة ، عندئذ تنكر الجمال كله ، وتبحث عن المرأة الصالحة ، تنكح المرأة لجمالها ، من تزوج المرأة لجمالها أذله الله ، لجمالها فقط ، ومن تزوجها لحسبها زاده الله دناءة ، ومن تزوجها لمالها أفقره الله ، فعليك بذات الدين تربت يداك ، بزواجك إذا نظرت إلى الزواج بنور الله بحثت عن المرأة الصالحة ، وإذا نظرت في تجارتك بنور الله بحثت عن الربح الحلال ، وبقية الله خير لكم ، لم تبحث عن ربح كثير حرام ، بل عن ربح حلال قليل ، أي موضوع في الحياة إذا نظرت إليه بنور الله أخذت منه موقفاً آخر ، بنور الله .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا )) .
[الترمذي وابن ماجه]
يعيش ناعم البال ، فراحة البال لا تقدر بثمن ، ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه ، أخذ من حتفه وهو لا يشعر ، وخذ من الدنيا ما شئت ، وخذ بقدرها هماً من أصبح وأكبر همه الدنيا ، جعل الله فقره بين عينيه ، وشتت عليه شمله ، ولم يؤته من الدنيا إلا ما قدر له ومن أصبح وأكبر همه الآخرة ، جعل الله غناه في قلبه ، وجمع عليه شمله وأتته الدنيا وهي راغمة .
المشكلة أن تنظر إلى الشيء بنور الله ، ولن تستطيع أن تنظر إلى الشيء بنور الله إلا إذا كنت مع أهل الله ، سألتهم فأجابوك ، تنورت بهم فأناروا لك الطريق ، بحثت معهم هذا الموضوع فأعطوك حكم الله عز وجل ، لذلك :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ .
( سورة التوبة : 119 )
كن معهم ، لا تعش وحدك ، هناك وساوس ، وسوداوية ، وشرك ، ووقوع في مزالق المعاصي ، ووحشة ، وانقباض ، الجماعة رحمة ، والفرقة عذاب .
أي ليس مع الله جهة أخرى لها علاقة في تسيير الحياة ، لا إله إلا الله .
وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ .
( سورة الرعد : 41 )
حكمه قطعي .
لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ .
القواعد والأصول العامة :
بعض المفسرين أشاروا إلى أن الكلمات هنا معناه بعض الآيات القرآنية تأتي على شكل قوانين ، وقواعد ثابتة ، وأصول ، مثلاً :
فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى .
( سورة طه : 123 )
هي أصل .
كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ .
( سورة يونس : 33 )
ما دام الإنسان متلبساً بالفسق فلن يؤمن ، ينحاز في أفكاره مع الكفرة بشكل أو بآخر .
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا ، هي من كلمات الله ، مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً .
( سورة النحل : 97 )
من كلمات الله أيضاً :
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى .
( سورة طه : 124 )
من كلمات الله :
وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ .
( سورة التوبة : 37 )
من كلمات الله :
وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .
( سورة التوبة : 109 )
من كلمات الله :
وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ .
( سورة التوبة : 80 )
كلمات الله تلك القواعد الأساسية ، هذه الآيات التي تأخذ شكل قوانين علاقات ثابتة .
أي ملجأً ، فلو التجأت إلى أقوى قوة في الأرض ، فلن تغني عنك من الله شيئاً ، ولو التجأت إلى مالك ، فلن يغني عنك مالك شيئاً .
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه * يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيه * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ .
( سورة الحاقة : من 25 إلى 31 )
وفي آية أخرى :
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ .
( سورة الدخان : 49 )
كنت في الدنيا تدعي أنك عزيز ، كريم ، ذق العذاب الآن .
آية دقيقة جداً ، الأسس التي ذكرها الله في هذا الكتاب ، ثابتة لا تلغى ، ولا تعدَّل ، ولا تبدل ، ولا يوقف تنفيذها ، ولا يضاف عليها ، ولا يحذف منها ، إنها ثابتة .
كن مع هؤلاء ، هذه الآية في ظاهرها موجهة إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، وفي حقيقتها موجهة إلينا بالتبعية ، يعني أيها المؤمن :
قد تجلس في مسجدٍ لتستمع إلى درس في التفسير ، طبعاً الجلوس على الأرض ، قد تُدْعى إلى سهرةٍ ممتعةٍ ، فالجلوس على أريكة فخمة ، وتتناول ما لذا وطاب ، وقد تكون هذه السهرة مختلطة ، وقد يكون فيها منكر ، وقد تكون هذه السهرة محببة إلى النفس ، وربنا عز وجل يقول :
اجلس في مجالسهم ، وخلِّ حظك مهما قدموك وراء .
ما لذة العيش إلا صحبة الفقراء هم السلاطين والسادات والأمراء
فاصحبهم وتأدب في مجالسهم و خلِّ حـظك مهما قدموك وراء
فما أوضح أن ينطلق الإنسان من بيته ليأتي إلى مسجد ليس فيه طعام ، ولا شراب ، ولا مكافأة ، ولا تعويض ، ولا أجر ، ولا مدح ، ولا كتاب ثناء ، ولا ترقية ، لا شي ، لكن الله عز وجل هو الذي يتولى الجزاء الأوفى .
يدعون ربهم صباحاً ومساء .
بُكْرَةً وَأَصِيلًا .
( سورة الفرقان : 5 )
قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ .
( سورة أل عمران : 191 )
يدعون ربهم دائماً .
اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا .
( سورة الأحزاب : 41 )
إلهي أنت مقصودي ، ورضاك مطلوبي .
الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14)وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ .
( سورة القيامة : 14 ـ 15 )
الإنسان أحياناً يبتغي بهذا المجيء السمعة ، له مصلحة ، إذا جاء للمجلس ليصير له زبائنُ كثيرون ، يروجون تجارته ، وكل إنسان يعلم لماذا هو هنا الآن ، طوبى لمن كانت نيته خالصه لوجه الله عز وجل .
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا .
( سورة الإنسان : 9 )
من علامات الإخلاص ، أن يكون الله وحده ، أو أن يكون وجه الله هو مبتغاك ، ولا مبتغى لك سواه .
هؤلاء أهل الحق لهم علامتان ، يكثرون ذكر الله ، ويبتغون وجه الله ، برئ من النفاق من أكثر من ذكر الله ، الإكثار من ذكر الله صباحاً ومساءً .
قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ .
( سورة أل عمران : 191 )
والنية والابتغاء مرضاة الله عز وجل .
لا تلتفت إلى غيرهم ، لا تتجاوزهم إلى سواهم ، لا تدع مجالسهم .
الإنسان أحياناً يؤثر أن يبقى مع زوجته في غرفة دافئة ، يدير حديثاً عذباً ، يستمتع بأشياء معينة ، على مجلس علم ، الله سبحانه وتعالى هكذا يأمرك :
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾
لا تتركهم ، ولا تتجاوزهم ، ولا تزهد في صحبتهم ، ولا في مجالسهم ، ولا تؤثر الدنيا عليهم ، لا تؤثر مجلساً ليس فيه ذكر الله على مجلس فيه ذكر الله ، ما من قوم اجتمعوا في مجلس لم يذكروا الله فيه إلا قاموا عن أنتن من جيفة ، عن أنتن من جيفة حمار ، وفي الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( ... وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ )) .
[مسلم]
حِلق الذكر رياض الجنة .
إنسان غافل ، لا يصلي ، يا أخي أنا معي قرشان بالفائدة أربح ، إنه ربح مضمون !
أخي جاءني خاطبان لابنتي ، واحد دينه رقيق ، لكن ما شاء الله كله غني ، والثاني صاحب دين فقير ، دع هذا الفقير ، وأعط الأول .
حياته فوضوية ، بلا قيم حياته ، وبلا انضباط ، ولا هدف ، حياته عابثة .
معنى أغفلنا ؛ وجدناه غافلاً بالضبط ، لا تتهم الله عز وجل فلا تقل : إنه جعله غافلاً لا ، هكذا في القرطبي ، ورد :
وجدناه غافلاً ، وجدنا قلبه غافلاً عن ذكرنا .
المؤمن يتبع الحق ، وغير المؤمن يتبع الهوى ، فإما أن يقودك الهوى ، وإما أن تقوده ، ونفسك إما أن تسيرك ، وإما أن تسيرها ، إما أن يكون العقل رائدك ، وإما أن يكون الهوى رائدك .
أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا .
( سورة الفرقان : 43 )
هؤلاء :
أما هؤلاء فقد :
الحقيقة :
المؤمن مخير .
لكن للكفر جزاء ، وللإيمان جزاء ، أنت هنا مخير، لأنك في دار التكليف ، أما أنه لابد له من يوم الجزاء ، من يوم الدين استمعوا إلى يوم الدين .
معنى السرادق :
السرادق في الأساس سقف في فناء الدار ، سقف فقط ، مكان محميٌّ من الشمس ، هذا هو السرادق ، أما في هذه الآية فالسرادق هو الدخان الذي يعلو لهيب النار ، فلو نظرت إلى فرن يستخدم وقوداً غير الوقود السائل فسحابة من الدخان الكثيف تعلو جو الفرن ، وهذه السحابة من الدخان الكثيف هي السرادق في النار .
ماء مغلي .
هذا إذا ظلم الإنسان .
واللهِ لزوال الكون أهون على الله من أن يضيع على مؤمن عمله الصالح البر لا يبلى ، والذنب لا ينسى ، والديان لا يموت ، اعمل كما شئت كما تدين تدان .
هناك شاب ناشئ جمّد مبلغ ثمانية آلاف ليرة ، والده فقير ، ووالدته أصيبت بحادث ، تحتاج إلى مبلغ لإصلاح أسنانها ، وقد هيأ مبلغه ذاك الزواج ، فلما رأى أمه هكذا ، أنفق المال كله من أجل معالجة أمه ، وبعد سنوات عدة ، بقدرة قادر هيِّئ له منزل ، وفرش هذا المنزل ، وزوجة ، قلت : سبحان الله ، كل هذا العطاء لأنه فادى بماله من أجل أمه
أحدهم مد سجاداً بالمسجد ، وآخر نظف مسجدًا ، وثالث قدم شيئاً لمسجد ، ورابع هدى إنساناً ، سهر معه سهرة ، فعاونه ، وأقرض مبلغاً من المال ، يا أخي نقصت قيمة المال ، أقرضناه بكذا ، صار بكذا ، ربع المبلغ نقص بعد ما رده لي .
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً .
( سورة البقرة : 245 )
ليس الخبز وحده يحيي الإنسان ، وليس الربح كله مالاً ، لو أقرضت إنساناً وبعد فترة فالقيمة الشرائية لهذا المبلغ تناقصت ، فهل خسرت أنت ؟ في نظر أهل الدنيا خسران ، يقولون : إنه أحمق ، أقرضَ أمواله ، ولما استردها راح نصف قيمتها .
ثق بالله عز وجل ، إذا كنت مع الله عز وجل فلن يخلف وعده معك .
إنك لا تعرف قيمة هذا الاتجاه استقامتك ، وتحريك للحلال ، وخوفك من الله ، وفهم كتاب الله ، وتطبيق كتاب الله وحضور مجالس العلم إلا بعد أن تحس أنك فزت في الدنيا والآخرة ، أي فزت بسعادة الدارين .
لذلك كان الإنسان مخيرا .
لكن :
أما المؤمنون :
ربنا عز وجل يعجب ! يقول :
أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ .
( سورة القلم : 35 )
وهل من المعقول لمسلم مستقيم ، له استقامته ، له عمله الصالح ، له فهمه للدين ، أيعقل أن يُعامل كما يُعامل المجرم المنحرف العاصي ؟!!
سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ .
( سورة الأنعام : 136 )
والحمد لله رب العالمين