أبو رائد صالح المالكي - مكة المكرمة
الحمد لله الذي جعل في كلِّ زمانِ فترةٍ من الرسل بقايا من أهل العلم ، يدعون من ضل إلى الهُدى ، ويصبرون منهم على الأذى ، يُحيون بكتاب الله الموتى ، ويُبصِّرون بنور الله أهل العَمَى .... أما بعد :
فإن الصوفية لهم أصول يبنون عليها فلا بد من معرفتها حتى تتمكن أخي السني من إقامة الحجة عليهم عند مناظرتهم أو التحذير منهم .
وقبل أن أذكر هذه الأصول أحب أن أطمئن الأخ السلفي أن أئمتنا يقولون ( العامي من الموحدين يغلب ألفاً من علماء السوء ) فلا يهولنك أمرهم وإن هملجت بهم البراذين وطقطقت بهم البغال فإنهم من أجهل الناس .
الأصول التي يبنون عليها
قاعدة :
كل أهل الأهواء اعتقدوا ثم استدلوا ، ولذلك تجدهم عندما يحتج عليهم السني بالكتاب والسنة يلجأون إلى التأويل ، ولذلك كان من وصية أهل العلم للمناظر أن يطالبهم بالاستدلال ولا يستدل عليهم .
ولو استدلوا فإنما يستدلون بالضعيف أو الموضوع من الأحاديث فتنبه لهذا وطالبهم بإثبات صحة الدليل و كرر على مسامعهم ( ثبت العرش ثم انقش ) !! .
وإذا استدلوا بحديث صحيح كأن يكون في صحيح البخاري أو صحيح مسلم فتنبه إلى أن عامة استدلالاتهم من الصحيح إنما يكون بالعمومات وهذه طريقة أهل البدع عامة ، قال شيخ الإسلام أن الإمام أحمد : جعل الاحتجاج بالظواهر مع الإعراض عن تفسير النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه طريق أهل البدع ، قال وله في ذلك مصنف كبير .
أما أصول الصوفية فهي :
1- الغلو وهو أصل الأصول عندهم ، غلو في النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، غلو في الأولياء ، غلو في أصحاب القبور .
- أما غلوهم في النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنهم يصفونه بصفات لا تليق إلا بالله كقولهم في البردة : ومن علومك علم اللوح والقلم .
قال ابن نباته المصري :
لولاه ما كان أرض ولا أفق *** ولا زمان ولا خلق ولا جيل
ولا مناسك فيها للهدى شهب *** ولا ديار بها للوحي تنزيل .
ويعتقدون أنه أصل الوجود وأن الكائنات خلقت من نوره ، وأن نوره أول مخلوق ، وأنه الواسطة بين الله وباقي المخلوقات ، تأيداً لعقيدة وحدة الوجود .
قال محمد البكري :
قبضة النور من قديم ارتنا *** في جميع الشؤون قبضا وبسطا
وهي أصل لكل أصل تبدى *** بسطت فضلها على الكون بسطا
ثم قال :
ولدت شكلها فأنتج شكلا *** بشريا أقام للعدل قسطا
إلى أن قال :
كل شيء معناه والكل منه *** وعليه مبناه ما احتل شرطا .
وفي الصلاة المشيشية ( لابن مشيش ) :
" اللهم صل على من منه انشقت الأسرار ، وانفلقت الأنوار ، وفيه ارتقت الحقائق ونزلت علوم آدم بأعجز الخلائق وله تضاءلت الفهوم فلم يدركه سابق ولا لا حق فرياض الملكوت بزهر جماله مؤنقة وحياض الجبروت بفيض أنواره متدفقه ولا شيء إلا هو به منوط إذ لولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط " .
وفي الحقيقة أنه ليس بين الحقيقة المحمدية عند الصوفية والحقيقة العيسوية عند النصارى اختلاف كبيراً فالصلة بين الله وبين الوجود عند الصوفية تتمثل في شخص واحد هو محمد وعند النصارى في ثلاثة ولذلك فإن الصوفية يرون النصارى موحدين بهذه العقيدة لكن دونهم .
وفي كتاب الانسان الكامل (2/105) للجيلاني عبد الكريم الجيلي " وأما النصارى فهم أقرب من جميع الأمم الماضية إلى الحق فهم دون المحمديين وسببه أنهم طلبوا الله تعالى فعبدوه في عيس ومريم وروح القدس ثم قالوا بعدم التجزئة ثم قالوا بقدمه على وجوده في محدث عيسى وكل هذا تنزيه في تشبيه لائق بالجناب الإلهي لكنهم لما حصروا ذلك في هؤلاء الثلاثة نزلوا عن درجة الموحدين " .
فالصوفية أرادوا أن يعظموا الحقيقة المحمدية عندهم أضعاف ما فعله النصارى مع عيسى ولذلك يرى بعضهم أن هنالك قصورا في قول البوصيري :
دع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم .
ويؤيد أن الصوفية أخذوا عقيدتهم من النصارى ما جاء في محاضرة الأبرار ومسايرة الأخيار لابن عربي 2/258 قال :
ليس التصوف أن يلاقيك الفتى *** وعليه من نسج المسيح مرقع
بطرائق بيض وسود لفقت *** فكأنه فيه غراب أبقع
إن التصوف ملبس متعارف *** فيه لموجده المهيمن يخشع .
- و أما غلوهم في الأولياء فمن طريق الكرامة فهم يدّعون أن كرامة الأولياء لا حد لها حتى قال مقدمهم أبو يزيد البسطامي : لقد خضنا بحراً وقف بساحله الأنبياء ، وحتى تعرف معنى الكرامة عند الصوفية فما عليك إلا أن تطلع على كتاب الطبقات للشعراني وهو من غلاتهم ، قال في ترجمة سيده علي وحيش:
"وكان إذا رأى شيخ بلد، أو غيره ينزله من على الحمار ويقول: امسك رأسها حتى أفعل فيها. فإن أبى شيخ البلد تسمر في الأرض ولا يستطيع أن يمشي خطوة ، وإن سمع حصل له خجل عظيم والناس يمرون عليه"!! (الطبقات الكبرى ج2ص135) .
كما يعتقدون بوجود الأبدال والأغواث والأقطاب .
- وأما غلوهم في أصحاب القبور فقد بلغ بهم الأمر إلأى أن جعلوا أصحاب القبور آلهة مع الله وقد قال مقدمهم : إذا ضاقت بكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور ، وقال آخر :
يا خائفين من التتر *** لوذوا بقبر أبي عمر .
ويروون في ذلك حديثاً موضوعاً " من اعتقد في شيء نفعه ولو كان حجراً "
2- يؤمنون بعقيدة الاتحاد كما عند الحلاج وعقيدة وحدة الوجود كما عند ابن عربي وابن الفارض والجيلي والتلمساني وابن سبعين والنابلسي .
قال ابن عربي في الفتوحات (2/604) " سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها " وقال في الفصوص (ص374) " إن العارف من يرى الحق في كل شيء بل يراه عين كل شيء " .
وقال الجيلي في الإنسان الكامل (2/83) " إن الحق تعالى من حيث ذاته يقتضي ألا يظهر في شيء ، إلا ويعبد ذلك الشيء ، وقد ظهر في ذرات الوجود " .
وقد تابعهم في ذلك الغزالي وإن كان أقل ضلالا منهم :
ففي الإحياء ( 4/212) وهو يذكر مراتب الموحدين " الرابع موحد بمعنى أنه لم يحضر في شهوده غير الواحد فلا يرى الكل من حيث أنه كثير بل من حيث أنه واحد وهذه هي الغاية القصوى في التوحيد فإن قلت كيف يتصور ألا يشاهد إلا واحداً وهو يشاهد السماء والأرض (الوكيل ص48)
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ( 4/ 63 ) " وتجد أبا حامد الغزالي ـ مع أن له من العلم بالفقه والتصوف والكلام والأصول وغير ذلك، مع الزهد والعبادة وحسن القصد، وتبحره في العلوم الإسلامية أكثر من أولئك ـ يذكر في كتاب[الأربعين] ونحوه، كتابه:[المضنون به على غير أهله]، فإذا طلبت ذلك الكتاب واعتقدت فيه أسرار الحقائق وغاية المطالب، وجدته قول الصابئة المتفلسفة بعينه، قد غيرت عباراتهم وترتيباتهم، ومن لم يعلم حقائق مقالات العباد ومقالات أهل الملل، يعتقد أن ذاك هو السر الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وأنه هو الذي يطلع عليه المكاشفون الذين أدركوا الحقائق بنور إلهي.
فإن أبا حامد كثيرًا ما يحيل في كتبه على ذلك النور الإلهي، وعلى ما يعتقد أنه يوجد للصوفية والعباد، برياضتهم وديانتهم من إدراك الحقائق وكشفها لهم، حتى يزنوا بذلك ما ورد به الشرع.
وسبب ذلك أنه كان قد علم بذكائه وصدق طلبه، ما في طريق المتكلمين والمتفلسفة من الاضطراب وآتاه الله إيمانًا مجملاً ـ كما أخبر به عن نفسه ـ وصار يتشوف إلى تفصيل الجملة، فيجد في كلام المشائخ والصوفية ما هو أقرب إلى الحق، وأولى بالتحقيق من كلام الفلاسفة والمتكلمين، والأمر كما وجده، لكن لم يبلغه من الميراث النبوي الذي عنـد خاصة الأمة من العلوم والأحوال، وما وصل إليه السابقون الأولون من العلم والعبادة، حتى نالوا من المكاشفات العلمية والمعاملات العبادية ما لم ينله أولئك.
فصار يعتقد أن تفصيل تلك الجملة يحصل بمجرد تلك الطريق، حيث لم يكن عنده طريق غيرها، لانسداد الطريقة الخاصة السنية النبوية عنه بما كان عنده من قلة العلم بها، ومن الشبهات التي تقلدها عن المتفلسفة والمتكلمين، حتى حالوا بها بينه وبين تلك الطريقة.
ولهذا كان كثير الذم لهذه الحوائل ولطريقة العلم، وإنما ذاك لعلمه الذي سلكه، والذي حجب به عن حقيقة المتابعة للرسالة، وليس هو بعلم، وإنما هو عقائد فلسفية وكلامية، كما قال السلف: العلم بالكلام هو الجهل، وكما قال أبو يوسف: من طلب العلم بالكلام تزندق.
ولهذا صار طائفة ممن يرى فضيلته وديانته يدفعون وجود هذه الكتب عنه، حتى كان الفقيه أبو محمد بن عبد السلام ـ فيما علقه عنه ـ ينكر أن يكون [بداية الهداية] من تصنيفه، ويقول: إنما هو تقول عليه، مع أن هذه الكتب مقبولها أضعاف مردودها، والمردود منها أمور مجملة، وليس فيها عقائد، ولا أصول الدين.
وأما المضنون به على غير أهله، فقد كان طائفة أخرى من العلماء يكذبون ثبوته عنه، وأما أهل الخبرة به وبحاله، فيعلمون أن هذا كله كلامه، لعلمهم بمواد كلامه ومشابهة بعضه بعضًا، ولكن كان هو وأمثاله ـ كما قدمت ـ مضطربين لا يثبتون على قول ثابت؛ لأن عندهم من الذكاء والطلب ما يتشوفون به إلى طريقة خاصة الخلق، ولم يقدر لهم سلوك طريق خاصة هذه الأمة، الذين ورثوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم العلم والإيمان، وهم أهل حقائق الإيمان والقرآن ـ كما قدمناه ـ وأهل الفهم لكتاب الله والعلم والفهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباع هذا العلم بالأحوال والأعمال المناسبة لذلك، كما جاءت به الرسالة.
ولهذا كان الشيخ أبو عمرو بن الصلاح - يقول ـ فيما رأيته بخطه ـ: أبو حامد كثر القول فيه ومنه ، فأما هذه الكتب ـ يعني المخالفة للحق ـ فلا يلتفت إليها، وأما الرجل فيسكت عنه، ويفوض أمره إلى الله .
ومقصوده أنه لا يذكر بسوء؛ لأن عفو الله عن الناسى والمخطئ وتوبة المذنب تأتي على كل ذنب، وذلك من أقرب الأشياء إلى هذا وأمثاله، ولأن مغفرة الله بالحسنات منه ومن غيره، وتكفيره الذنوب بالمصائب تأتي على محقق الذنوب، فلا يقدم الإنسان على انتفاء ذلك في حق معين إلا ببصيرة، لاسيما مع كثرة الإحسان والعلم الصحيح، والعمل الصالح والقصد الحسن، وهو يميل إلى الفلسفة، لكنه أظهرها في قالب التصوف والعبارات الإسلامية.
ولهذا، فقد رد عليه علماء المسلمين ،حتى أخص أصحابه أبو بكر بن العربي، فإنه قال: شيخنا أبو حامد دخل في بطن الفلاسفة، ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر.
وقد حكى عنه من القول بمذاهب الباطنية ما يوجد تصديق ذلك في كتبه. ورد عليه أبو عبد الله المازري في كتاب أفرده، ورد عليه أبو بكر الطرطوشي، ورد عليه أبو الحسن المرغيناني رفيقه، رد عليه كلامه في مشكاة الأنوار ونحوه، ورد عليه الشيخ أبو البيان، والشيخ أبو عمرو بن الصلاح، وحذر من كلامه في ذلك هو وأبو زكريا النواوي وغيرهما ،ورد عليه ابن عقيل، وابن الجوزي ،وأبو محمد المقدسي وغيرهم. "
وقال " وهذا أبو حامد الغزالي ـ مع فرط ذكائه وتألهه ومعرفته بالكلام والفلسفة، وسلوكه طريق الزهد والرياضة والتصوف ـ ينتهي في هذه المسائل إلى الوقف والحيرة، ويحيل في آخر أمره على طريقة أهل الكشف، وإن كان بعد ذلك رجع إلى طريقة أهل الحديث، وصنف [إلجام العوام عن علم الكلام]. "
وأصحاب وحدة الوجود لا فرق عندهم بين الخالق والمخلوق ولا بين الحلال والحرام ولا بين الزوجة والأم ولا بين الجنة والنار !.
4- يعتقدون أن الدين ينقسم إلى حقيقة وشريعة ، فيجعلون لهم الحقيقة ولغيرهم الشريعة وهذا التقسيم له تعلق بوحدة الوجود ويراد به اسقاط التكاليف وهذا من أخطر وأسوأ آثار عقيدة وحدة الوجود قال بعضهم " فمن الذي يثيبنا حين نحسن ومن الذي يعاقبنا حين نسيء ومن نحن حتى نحسن ألسنا جزءا من الله ومن نحن حتى نسيء ألسنا بضعة من واجب الوجود أيحسن الله نفسه ثم يثيب ويسيء ثم يعاقب تلك مشكلة المشكلات قال وقد حل ابن عربي هذه المشكلة حلا طريفا فهو ينصح للعوام بأن يكتفوا بالشريعة فيفهموا الثواب والعقاب على نحو ما يفهم جمهور المسلمين ويحتفظ بذلك السمو الروحاني لأقطاب الواصلين فمن سمت به التجليات إلى مقام الفناء عرف أن لا موجود إلا الله واستطاع أن يقول : أنا الله ! .
5- يعبدون الله بالحب ويعتبرون طلب الجنة والخوف من النار منقصة في حقهم قال مصطفى محمود في كتاب (القرآن محاولة لتفسير عصري ) عند الكلام عن الفكر الصوفي: "وهم يطلبون القرب من الله حباً، وليس خوفاً من النار، أو طلباً لجنة، ويقولون إنه في هجرة دائمة إلى الله من الأكوان إلى المكون" ص101.
ثم يقول: "والمتصوفة أهل أطوار وأحوال ولهم آراء طريفة لها عمقها، ودلالتها، فهم يقولون إن المعصية تكون افضل أحيانا من الطاعة، فرب معصية تؤدي إلى الرهبة من الله والى الذل والانكسار، وطاعة تؤدي إلى الخيلاء والاغترار وهكذا يصبح العاصي أكثر قرباً وأدباً مع الله من المطيع" ص101.
وهذه أصول أخرى سوف أشرحها في حلقة قادمة إن شاء الله .
6- مصادر التلقي عندهم :
- المنامات .
- العلم اللدني .
- الإلهام والكشف .
- التلقي مباشرة من النبي فهم يدعون لقاءه في اليقظة وكذلك لقاء الخضر .
7- غاية التوحيد عندهم هو إفراد الله بالربوبية كالنفع والضر والتدبير .
8- معنى لا إله إلا الله عندهم أي لا خالق إلا الله ، فالإله عندهم هو القادر على الاختراع .
9- لا شرك عندهم إلا شرك الاعتقاد فهم من هذا الوجه جهمية .
10- لا يقرون بأقسام التوحيد .