السخرية و الاستهزاء بالآخرين:
يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }(11) سورة الحجرات.
نهى الله تعالى عباده المؤمنين عن السخرية بالآخرين مهما كانت صفاتهم وأوضاعهم، فلعلَّ مَن يُسخَر منه ويُنظَر إليه نظرة احتقار وازدراء واستخفاف؛ خيرٌ عند الله وأحبُّ إلى الله من الساخر الَّذي يعتقد الكمال، ويرمي أخاه بالنقص ويعيِّره.
وخصَّ الله - عـز وجل - النساء بتكرار النهي عن السخرية، مع أنهنَّ يدخلن في النهي الأوَّل، نظراً لتفشِّي هذه العادة السيئة بين النساء.
إن السخرية لا تنبعث إلا من نفس ملوَّثة بجراثيم العُجْبِ والكبر، فهو يعمل على إيذاء من حوله بدافع الشعور بالفوقية المتغلغلة في أعماقه.
لقد استهان إبليس بآدم وسخر منه قائلاً:{ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ }(76) سورة ص، فباء بالخسارة والخذلان.
وقال عز و جل عن قوم: {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ}(110) سورة المؤمنون.
ويستفاد من هذا: التحذير من السخرية والاستهزاء بالضعفاء والمساكين والاحتقار لهم، والإزراء عليهم والاشتغال بهم فيما لا يغنى، وأن ذلك مبعد من الله عز وجل .
وقال القرطبي: "السخرية الاستحقار والاستهانة والتنبيه على العيوب والنقائص بوجه يضحك منه، وقد تكون بالمحاكاة بالفعل والقول أو الإشارة أو الإيماء، أو الضحك على كلام المسخور منه، إذا تخبط فيه أو غلط أو على صنعته أو قبح صورته، وقال بعض: هو ذكر الشخص بما يكره على وجه مضحك بحضرته، واختير أنه احتقاره قولاً أو فعلاً بحضرته على الوجه المذكور، وعليه ما قيل المعنى: لا يحتقر بعض المؤمنين بعضاً.
فمن حقوق المسلم على المسلم أن يحترم حرمته، ولا ينتقص كرامته، ولا يسعى في إذلاله، ولا السخرية به، والاستهزاء واللمز والعيب .
فإن سخرية الإنسان من أخيه الإنسان يؤدي إلى تهديم العلاقات الإنسانية وتمزيق الأُخوَّة الإيمانيَّة شرَّ مُمزَّق حيث يستعلي المرء بماله أو حسبه أو جاهه مفاخرة ومباهاة وتحقيراً للآخرين.