--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
إني لا أشتاق إلى الله ! أكلمة كفر هذه أم ماذا ؟ وهل يجرؤ مسلم على مثل هذا القول ؟ في الحقيقة إن هذه الكلمة ليست كلمة كفر بل هي كلمة إيمان صادقة لا تخرج إلا من قلب عرف الله حق معرفة وخشيه تمام خشية . لقد اخترت هذا العنوان (إني لا أشتاق إلى الله) للتعريج على موضوع مهم أريد التكلم عنه ألا وهو (قوة الأمة الإسلامية تكمن في قوة فهمها للغة العربـــية) وهنا أبدأ :
منّ الله عز وجل على العرب فاختارهم لحمل رسالته وأكرم لغتهم فأنزل القرآن بلسانهم ، قال سبحانه (وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين) ، ليس هذا فحسب بل وأنزله على لهجات متعددة وصلت إلينا عن طريق التواتر ، بأيها قرأ المسلم صحت قراءته ، كقراءة حفص عن عاصم و قالون وورش وغيرهم.
والرسالة كما نعلم جاءت لتنظيم حياة الناس من عبادات وأخلاق ومعاملات واجتماع واقتصاد وحكم ، لذلك كان لا بد من فهم عميق للنصوص التشريعية حتى يتم امتثال أمر الله عز وجل وتنظيم المجتمع تنظيما مثاليا ، وبما أن التشريع نزل باللغة العربية ، كان إذن لا بد من التعمق بها تعمقا شديدا من شعر ونثر وبلاغة ونحو وصرف وبديع ، وإلا ضاع فهم الإسلام ، ومتى ضاع فهم الإسلام ضاعت الأمة ، لذلك كان الاجتهاد من ضرورات عوامل بقاء الأمة حية نابضة ، لأنه به يتم تنقية الإسلام مما علق به من شوائب (في الفهم) وبه تتبلور المفاهيم وبه تنهض الأمة وتتقدم ، ومن يقرأ تاريخ الدولة العثمانية يدرك تماما أن إلغاء اللغة العربية من المناهج الدراسية وجعل اللغة التركية اللغة الرسمية للبلاد كان أول ضربة للمسلمين وأول خنجر طعن الغرب به عزتنا وكرامتنا ، نعم إن إلغاء اللغة العربية كان كارثة على الأمة أفقدتها عزتها وكرامتها ، ليس لأنها لغة العرب بل لأنها لغة الوحي الذي نزل علينا بها ، فكيف تكون لنا عزة بديننا ونحن لا نفهم لغة ديننا ؟ نعم أيها الإخوة ، لقد كان من جراء تقصية اللغة العربية عن الدولة العثمانية أن أدخل قانون الجزاء العثماني عام 1857، وقانون الحقوق والتجارة عام 1858، ثم جعلت المحاكم قسمين : محاكم شرعية ومحاكم نظامية ، ووضع لها نظام ، ثم في عام 1877 وضعت لائحة تشكيل المحاكم النظامية ، ووضع قانون أصول المحاكمات الحقوقية والجزائية عام 1878، ولما لم يجد العلماء ما يبرر إدخال القانون المدني إلى الدولة وضعت (المجلة) قانونا للمعاملات ، واستبعد القانون المدني ، فهذه القوانين وضعت كأحكام يجيزها الإسلام ، ولم توضع موضع العمل إلا بعد أن أخذت الفتوى بإجازتها ، وبعد أن أذن شيخ الإسلام بها (مفتي الدولة) ! هذه الفتاوى لم تصدر إلا بسبب عدم قدرة مفتي الدولة على فهم اللغة العربية فهما عميقا كما يجب ، وبالتالي أدخلت قوانين وأحكام في الدولة مخالفة تماما للأحكام الشرعية ، فهل تصورنا معا خطورة هجر اللغة العربية؟
فلنتق الله أيها الأخوة ، إن اللغة العربية لتشكو هجراننا وخيانتنا لها ، فهي تشكو منا ليل نهار، بالله عليكم ، هل وجدتم عروسا أجمل من لغتنا ؟ فكيف نخونها إذن وننام بين أحضان لغات أجنبية ليست بأجمل منها ؟ لم هذا يا أخوة ، إن لغتكم رحيمة حنونة ، وها أنذا أسمعها تناديكم أن هلموا يا عرب ، هلموا إلي تعالوا ، فقد نسيت خيانتكم لي وصفحت عنكم ، هلموا إلي هلموا، هلموا إلي تنصروا وتعزوا.
وجب علي الآن توضيح كلمة (إني لا أشتاق إلى الله) ، لقد قال هذه العبارة عالم قديم من علماء الإسلام لا أذكر اسمه (وأرجو منكم المعذرة) ، قالها أمام حشد ضخم من تلاميذه وهو يعطيهم درسا في المسجد ، ضجر التلاميذ وذهلوا وظنوا أنه كفر ، فنظر العالم إليهم ضاحكا وقال (كيف أشتاق الى الله وليس يغيب عني ؟)
في الحقيقة أيها الأخوة ، كلمة الشوق في اللغة لا تقال إلا لغائب، وهذا اللفظ لا يصح أن نتكلم به عن حاضر ، وبما أن الله عز وجل لا يغيب عنا، فكيف نشتاق إليه ؟؟ نحن نحب الله عزوجل ونموت من أجله ولكن لا نشتاق إليه لأنه لا يغــــيب !!! والسلام عليكم ورحمة الله